يكتسب هذا الكتاب قيمته من أنه يؤسس بشكل شامل لموضوع بالغ الأهمية في شعرنا المعاصر. فهو يحدد المفهوم العلمي للمدينة، و يكشف عن ارتباط المدينة في القرن العشرين بالانجازات العلمية و شكلها الحضاري الذي يولد تصورا جديدا للكون و الانسان و المجتمع، و يناقش أصالة الموضوع، و يوزع مادته على خارطة الشعر العربي عبر جيلين متتاليين.
و يتتبع الكتاب مراحل التعامل مع المدينة ، بدءا من المرحل الرومانسية التي تشكل صدمة، و تتمثل في الغربة و الضياع من جهة، و ما يتولد عن ذلك من شعور بثنائية : القرية المدينة من جهة أخرى.
و في رؤية المدينة نجد الشاعر يدخل في جدلية مع المدينة و شكلها الحضاري ، و يتبين من خلال الصراع أن المدينة لا بد منها، فيأخذ مواقف تحليلية لأبعادها الاجتماعية و السياسية، و نتيجة للأوضاع السائدة يبدأ الشاعر في رسم أنماط رمزية للمدينة، يعانقها كبدائل لمدنه السلبية فيحلم بمدينة المستقبل في شكليها الإنساني والصناعي ثم ما يحلق بعيدا في مدن الحلم كما يسترجع المدن الأسطورية .
وتكمن الاهمية الثانية للكتاب في أسلوب معالجته للمادة الشعرية التي يحسن اختيارها حين يقترن التحليل المضموني بالجانب الفني الذي يبرز الأدوات التعبيرية المصاحبة لكل نص، مستخدما المنهج التكاملي مع التركيز على جماليات المكان حسبما تقتضيه طبيعة النصوص، فجاء العرض حيا بعيدا عن الشكل الممل الذي تقع فيه بعض الدراسات، حين تقتصر في بعض مراحلها على تفريغ المحتوى في التحليل