«زارني الصبيُّ الذي كان يومًا يَحمل اسمي. وقف أمامي، على حين فجأة، واستند إلى جدار المكتبة صامتًا شاحب الوجه. لم أَدرِ كيف تَسلَّل إلى حجرة مكتبي بينما كنتُ أقرأ، أو أكتب بحثًا، أو أترجم نصًّا، أو أحاول أن أُعِد كلمة أقولها في ندوة أو مؤتمر. لكنني وجدته أمامي ولم يكن هناك مفرٌّ من المواجَهة. راح كلٌّ منَّا يتأمَّل الآخَر دون أن يقوى على التلفُّظ بكلمة. نعم، هذا وجهُه، نفس الوجه البريء المُتعَب … وما هي إلا لحظات حتى سمعتُ رنين أصوات تخترق أُذني كأنها تَلطمها وتهزُّها بعنف وقسوة: ماذا فعلت بي؟»
لوحاتٌ قصصية يَرسمها «عبد الغفار مكاوي» بالكلمات، ويُلوِّنها بمِداد الذاكرة، يَنهل من نَبع الشِّعر لوحاته التي تحكي مواقف رآها بقلبِ شاعرٍ أرهَفَ السمعَ إلى الصمت، ففطن إلى سِر الحياة؛ فأخبره «النَّبع القديم» عن الرائحين والغادين عليه، وأخبره الجسرُ الخشبي بأحزانه، وأخبره المركَب الشراعي بروح الوجود، لكنه يتألَّم لحالِ الشاعر الذي انزوى خلف الحكمة والفلسفة، ويتذكَّر ذلك اليومَ الذي أخذَت فيه والدته مخطوطاته الشِّعرية وأحرَقتها زاعمةً أن المُذاكَرة أكثر فائدة، ومن يومها وهو يَسبح في بحر الشِّعر دونَ أن يَرسو على شاطئ. كما يَنهل من نَبع العمر سيرتَه الذاتية المليئة بالحكايات؛ فيحكي عن ذلك اليوم الذي حصل فيه على شهادة الابتدائية، وقرَّر الاستسلام لوَسْواسه الذي طالما ألحَّ عليه لزيارة قبر شقيقَيه اللذَين وُلدا معه وتُوفِّيا بعد ولادتهما ببضعة أشهر، وغيرها من الحكايات المُفعَمة بالأحاسيس.