«شغلَتني مشكلة البحث فيما إذا كان الإنسان حرًّا أو مُجبَرًا منذ مَطلع شبابي، وقد تكون هذه هي الحال نفسها مع غيري من الناس؛ إذ يبدو أن المشكلة تَفرض نفسها على الإنسان حين يدرك أنه مسئول أخلاقيًّا، ولم يَتوقَّف عامةُ الناس — تمامًا كالفلاسفة — عن إثارة هذه المشكلة ومُحاوَلة الوصول إلى حلٍّ مُقنِع لها.»
الجبر الذاتي؛ دراسةٌ أعدَّها «زكي نجيب محمود» لنَيل درجة الدكتوراه، حول مدى جَبرية الفعل البشري أو حُريته؛ إذ إن إشكالية حُرية الإرادة تُعَد من أعقد الموضوعات التي درسَتها الفلسفة، وبالأخص فلسفة الأخلاق؛ ومن ثَم راح الفلاسفة من «أفلاطون» إلى «سارتر» يُناقِشون مدى حُرية الإنسان، وتوافُقها أو معارَضتها مع الطبيعة والدِّين والوجود. وتُعَد المذاهبُ الوجودية أكثرَ المذاهب الفلسفية التي جعلت من حُرية الإرادة محورًا للوجود؛ فيرى «سارتر» أن الإنسان ليس حرًّا فحسب، لكنه الحُرية ذاتها؛ فوجودُه هو نفسه حُرية، ولعلَّ أبلغ تعبير عن هذا المذهب ما قيل على لسان بطل مسرحيته «الذباب»: «لستُ السيد، ولستُ العبد، لكني أنا الحُرية التي أتمتَّع بها.» وبالرغم من ظهور هذه الإشكالية منذ «أفلاطون»، فإن النقاش حولها أصبح أكثر احتدامًا منذ القرن السابع عشر؛ نتيجةً لاكتشاف القوانين العِلمية والتوصُّل إلى جَبرية القوانين الطبيعية، فدار اهتمام الفلاسفة حول مدى خضوع الأفعال البشرية لهذه القوانين.