«والحكايةُ أنَّ عبدَ الكريمِ ما كادَ يَخطفُ الأربعَ ركعاتٍ حتى تسلَّلَ منَ الجامعِ ومضى في الزُّقاقِ الضيِّقِ وقد لفَّ يدَهُ وراءَ ظهرِهِ وجعلَها تُطبِقُ على شقيقتِها في ضِيقٍ وتبرُّم، وأَحْنى صدرَهُ في تزمُّتٍ شديدٍ وكأنَّ أكتافَهُ تنوءُ بحملِ «البِشْتِ» الثقيلِ الذي غزَلَه بيدِهِ من صوفِ النعجة.»
انتهي اليومُ في القريةِ عندَ صلاةِ العشاء، فبالكادِ ينتظرُ الناسُ الانتهاءَ من ركعاتِها سريعًا حتى يَغِطُّوا في نومٍ عميق، بعدَ يومِ عملٍ شاقٍّ وطويلٍ في الحُقول، لا مانعَ فيه من قضاءِ بعضِ الوقتِ في شُربِ الدُّخان، والسَّمَرِ في غُرزةِ القريةِ التي تَجمعُ مَن ليسَ لهم عملٌ ومعَهم فضْلٌ من أَمْوال. وعبدُ الكريمِ حائرٌ بينَ رغبةِ السهرِ وفراغِ جيبِهِ من قرشٍ واحدٍ يتطفلُ به على صاحبِ الغرزة. لياليهِ رخيصةٌ لا تساوي حتى كوبَ شايٍ مخلوطٍ بالترابِ على ناصيةِ أحدِهم، ولا يَجدُ في النهايةِ إلا ما اعتادَ على فعلِهِ في مثلِ تلكَ اللَّيالي الرخيصة؛ إيقاظَ امرأتِهِ وطقطقةَ أصابعِها حتى يُفرِغَ فيها ما بقِيَ في جسدِهِ من تَعَب، ليأتيَ بطفلٍ سابعٍ يُزاحِمُه الطعامَ والشراب. يجمعُ يوسف إدريس في هذهِ المجموعةِ القصصيةِ نماذج لشرائحِ المجتمعِ المِصْري، الذي تَجمعُهُ الهمومُ والمشكلاتُ ذاتُها.