«انطلق الثور هائجًا كزوبعةٍ حيوانية هبَّت على الدائرة الرملية، واندفعَت تَعصف بكل اتجاه عصفًا بعَث الرعبَ في قلوب المشاهِدين الذين تفصلهم عن الثور الهائج مسافاتٌ وحواجز، ولكنَّ الغضبَ الوحشي الذي كان يجتاح الثورَ ويوشك معه أن يحطِّم الأرض ويخرق السماء، ولا يُبقي أو يَذر شيئًا بينهما؛ حالةٌ كانت الحواجزُ والمسافات فيها لا يُمكِن أن تؤدِّي إلى أي اطمئنان.»
في إسبانيا حيث «الأرينا» الإسبانية التي يَفِد إليها آلافُ البشر من بِقاع الأرض كافةً لمشاهَدة رياضة مصارعة الثيران، التي ينفقون في سبيلها أموالًا طائلة؛ يُطلِعنا «يوسف إدريس» على هذه الرياضة، ولكن برؤيةٍ موازية لِمَا هو شائع حولها، رؤيةِ أديبٍ يقف على الجانبِ الآخر، ذلك الجانبِ الإنساني الذي يصف مشاعرَ وأحاسيسَ كلِّ مَن في «الأرينا»؛ المتفرِّجين، والثيران، والمصارِعين. ويُقدِّم «إدريس» وصفًا تفصيليًّا غنيًّا بالتشبيهات البليغة لأحداث المصارعة وقواعدها، الظاهر منها والخفي، ننتبه من خلاله إلى معانٍ إنسانية كثيرة حاضرة في المشهد، ولكنها غائبة عن أعيُننا. كما يضع هذه اللعبةَ المتوحِّشة في ميزان الإنسانية فيُعرِّي الغرائزَ الدفينة في نفوس المتفرِّجين، ويَفضح أحدَ وجوهِ الرأسمالية المتوحِّشة التي لا تَتورَّع عن التضحية بروح إنسان أو التلذُّذ بالموت البَشِع للثور من أجل جَنْي المزيد من الأموال.