ينظر هذا العمل في أسس بعض التصورات الثقافية المرمِّزة للسلطة والفحولة وما شابههما، حيث يتسلط الضوء على هذه التصورات وعلى العلاقات التي تشيدها فيما بينها، وعلى طرائق التفكير والسلوك المستمدة منها، ونخال أن تفكيك هذا البنيان من شأنه أن يساعد على فهم جزء من المعلومات التي تُبنيِنُ بعض الأنشطة اللاواعية وأسس بنائها في ثقافتنا. والتصورات التي ستعرض هنا حيةٌ، وتشكل "حقيقة الأشياء" عندنا، و"نستعملها" دون أن ننتبه إلى وجودها ولا إلى العلائق التي تنسجها فيما بينها، ونفترض أن "حياة" مثل هذه التصورات تضمنها البناءات المجازية، بحيث إن المجاز يرمِّز نمطاً من التفكير، بل إنه يرمِّز "حقائقنا" الواعية واللااعية، خصوصاً إذا كان مجازاً شبه مسكوك. ونفترض أن هذه الثنائية السلطوية (السلطة الذكورية في مقابل العشقية) مستمدة تصوريا من ظاهرة طبيعية هي ظاهرة الليل والنهار. وتنتج عن هذه الثنائية المعاني النهارية التي ترمز إلى السلطة الأولى، والمعاني الليلية التي ترمز إلى السلطة الثانية. وكما تتصارع هاتان السلطتان خارج اللغة، تتصارعان داخل اللغة، ونجدهما تتفاوضان باستمرار في تحديد ماهيات المعاني وفي إقامة المجازات، إن الأمر أشبه بصراع من أجل التوسع الإقليمي، وهو توسع لا يمكن للمعاني أن تعيش بدونه، شأنها فيذلك شأن الكائنات الحية. من نتائج طغيان السلطة الذكورية. إنها تسيطر على بناءاتنا الرمزية، وعلى رأسها اللغة ويمكن أن نقول، من هذا المنظور، إن اللغة ليست، في آخر المطاف سوى العماد المروج لهذه السلطة والداعم لها، والمدافع عن استمرارها. ولهذا السبب لا يحتاج الباحث إلى متن محدد كي يثبت قيام هذا التصور السلطوي، ويجلي مكوناته، ويضبط بنيته. أما السلطة المقابلة، التي نسميها السلطة العشقية، فموضوع تحاربه السلطة الذكورية. وبهذا المعنى، فالسلطة العشقية "سلطة أقلية" ولذلك لها متن محدد. إنها تسكن نصوص العشق، وتحتمي بها وفيها. لهذا لم نعتمد في الأجزاء الأولى من هذه الدراسة على متن خاص، بينما فعلنا ذلك في الأجزاء الأخيرة منها التي خصصناها للسلطة العشقية