مكتبتنا
أنوبيس
الأدب العربي 2022-02-04 14:29:28 85 مشاهدة
ألا يحق للسلف أن ينعم برفقة الخلف ليلة؟ رمقني باستنكار. ويبدو أنه لم يفهم فتشبث بالصمت. كان عليّ أن أقرأ في استنكاره خطراً فأتوقف، ولكني وجدت نفسي أقطع شوطاً أبعد في سبيل إماطة اللثام عن سري: هل تقضي الليل بمعيتي لو أخبرتك من أنت؟ في ضوء البدر أبصرت في مقلتيه وميضاً أغرب. أبصرت في عينيه دهشة، واحتياراً، وألماً. لم يجب على سؤالي فاقترب منه خطوة، خطوتين. انحنيت فوق رأسه وهتفت بصوت من اكتشف بئراً أو نبعاً: أنت آرا! لا شك أنك آرا! انقلب كل شيء في غمضة. فزّ الشبح النحيل من مكمنه فزّة مارد وارتج رجّة لم أر مثلها مثيلاً في جسد مخلوق. لم أرَ له مثيلاً إلا في أجساد الممسوسين الذين لوّعهم الوجد طويلاً. لم أعرف بعدها ما حدث يقيناً. كل ما لمحته هو نصل المدية عندما تحمم بضوء البدر الوليد. ثم.. ثمّ حرارة السائل اللزج، المتخثر الذي تدفق من نحري. كنت ما زلت واقفاً في مواجهته عندما حشرجت بالسؤال: ولكن.. لماذا؟ لماذا قتلتني؟ سمعته يجيب: لأنك ستفشي للخلق سري إذا لم أفعل، فاغفر لي! أطبقت بيدي على نحري. أحسست بالدوار، ولكن الطعنة التي أحسستها في قلبي كانت أقسى من الطعنة التي أحسستها في جسدي، فاستبسلت: ألا تعلم أنك.. قتلت أباك؟ هواء1 كثيرون ادّعوا أبوتي النبوءة لا تصدق إلا في المرة التي نحسبها كذباً1 أنا أبوك! هراء! هل قدر الابن أن يميت أباه؟! قرأت في عبارته نبوءة راقت لي فغالبت الدوار، وحشوت طرف لثامي في جرحي، وجلست أرضاً. قررت أن أقول نبوءتي أيضاً: لا بد أن نميت الأب كي نبحث عن الأب. لا بد أن نميت الأب كي نجد الأب! سمعته يرددها كالمأخوذ: لا بد أن نميت الأب كي نبحث عن الأب. لا بد أن نميت الأب كي نجد الأب! أعلم أن أباك فعل يوماً بأبيه ما فعلته أنت الآن بأبيك؟ لم يجب. بدأ قرص البدر يرتجف ويكتئب في عيني فكلمت الشبح بوصيتي الأخيرة: لك مني وصية: لا تمد يدك على إنسان شربت من يديه جرعة ماء! اختفى-فوجدت نفسي في سكوني معزولاً، مهجوراً، كما وجدت نفسي دائماً. وكان أكثر ما أخافني ألا أقدر أن أوقد النار لأستضيء بضوئها لأستكمل الرقعة الأخيرة في سيرتي التي أدركت الآن أنها لم تكن حقيقة. ولكن رغبتي الجنونية في تحويل الحلم إلى حقيقة جعلتني أستميت حتى تمكنت من إشعال النار لأطبع على رقعة الجد وسماً أخيراً يكون برهاناً للأجيال على حقيقة "أنوبي" الذي لم يكن ظلاً أو وهماً، ولكنه إنسان عبر الصحراء

شارك الكتاب

تصفح كتاب أنوبيس بدون تحميل

كتب قد تهمك

تحميل كتاب