«وإنِّي أُصارحُ القارئَ منذُ فاتحةِ الكتابِ بأنَّه مُقبِلٌ على صفحاتٍ لم تُكتبْ للتسليةِ واللهو، لكنَّهُ إنْ صادفَ في دراستِه للكتابِ شيئًا من العُسرِ والمَشقَّة، فأَمَلي أن يجدَ بعدَ ذلك جزاءَ ما تكبَّدَ من مَشقَّةٍ وعُسر.»
جعلَ الدكتور «زكي نجيب محمود» اهتمامَه الأولَ في هذا الكتابِ التفرقةَ بينَ ما يُمكنُ قَبُولُه وما لا يُمكنُ قَبُولُه في مجالِ القولِ العِلميِّ وحدَه دونَ سائرِ المجالات، مُؤيِّدًا الفكرةَ القائلةَ بأنَّهُ لا يَجوزُ للفيلسوفِ أن يكونَ واصفًا للكَونِ أو أيِّ جزءٍ منه، بل تتلخَّصُ مهمتُه في تحليلِ ما يقولُه العُلماء، ضاربًا المَثلَ بالفيلسوفِ الألمانيِّ «إيمانويل كَانْت» بوصفِهِ مُحلِّلًا فلسفيًّا وفيلسوفًا نقديًّا كبيرًا، وحينَ الحديثِ عنِ الميتافيزيقا فضَّلَ المؤلِّفُ أن يُحدِّدَ ما يرفضُه منها، مُفرِدًا في نهايةِ الكتابِ عَرضًا لطرائقِ التحليلِ عند الفلاسفةِ المُعاصِرين.
صاحَبَ إصدارَ هذا الكتابِ للمرةِ الأُولى عامَ ١٩٥٣م بعضُ اضطرابٍ وسوءِ فَهْم؛ بسببِ عَنونةِ الدكتور له ﺑ «خُرافة الميتافيزيقا»، وكذلك لاستشكالِ فَهْمِ بعضِ فقراتِهِ وأطروحاتِه؛ فأعادَ كتابةَ فصولِهِ مرةً ثانيةً بعدَ ثلاثةِ عقودٍ كتابةً جديدةً تُتيحُ له أن يَعرضَ أفكارَهُ مُتضمِّنةً رُدودًا على ما وُجِّهَ إليه من نقدٍ في طبعتِهِ الأولى، معَ الإبقاءِ على النصِّ القديمِ دونَ تعديل