استطراد واستكمال لما ذهب إليه إدوارد سعيد عام /1985/ في كتابه المهم "الاِستشراق"، وإذا كان كتاب إدوارد سعيد قد اقتصر على دور ومدلول الاِستشراق كعامل هيمنة للإمبرياليّة في الشّرق العربي، فإنّ كتاب "التنوير الآتي من الشّرق" يحدّثنا عن الاِستشراق في الهند والصّين واليابان، ولا ينفي الكتاب دور الاِستشراق كعامل هيمنة، بل يضيف دلالات ومفاهيم جديدة وجوهريّة.
يقدّم المؤلّف دراسة بانوراميّة لعمليّة التفاعل والتأثير الثقافي المتبادل بين فكر الغرب على مدى خمسة قرون منذ عصر النهضة وحتى يومنا هذا، وبين فلسفات وديانات وأفكار الشّرق الأقصى. ويستشهد بوقائع التاريخ والنّصوص والسيَر الذاتية؛ ليوضح تأثير الشرق في الفلسفة وعلم النفس والدين والتراث الفكري الغربي الحديث بعامّة، وكيف كان فكر الشّرق حافزاً للغرب لإجراء استبصار نقدي ذاتي، واستحداث كثير من النّظريات والمباحث العلميّة، وإفراز كثير من الجمعيّات والحوارات الفكريّة والدّينيّة، ويفنّد ادّعاءات الغرب بأنّه، على الرّغم من العولمة، غير مدين بشيء للشّرق.
الكتاب محاولة لفهم الدّلالة الأعمق لتيّار تاريخ "أفكار الغرب"، بقلم مفكّر موسوعي مختصّ بتاريخ الأفكار، ويمثّل بذلك مدخلاّ مهمّاً لكلّ دارسي التّاريخ والفلسفة وعلم النّفس والأديان المقارنة، وكلّ من يلتمس سبيلاً لفهم تطوّر الفكر الحديث في الغرب وتفاعله مع الشّرق