إن غلبة الجديد على القديم لا تتمّ فقد بحدّ السيف وإنما أيضاً بجاذبية الحضارة الجديدة، مادياً وفكرياً وروحياً. فإذا كان الغرب اليوم يُمثّل القيم الإنسانية-نظرياً على الأقل-وإذا كان هذا الغرب يعني العلم والفكر العميق والفن وكذلك التكنولوجيا، فالمسألةُ ليست كما قيل من قبلُ مسألة أخذ ما يصلح لنا، أو مسألة استرجاع قوتنا القديمة كما كانت زمن الخلافة، بل مسألة بقاء في الوجود التاريخي.
إن كل إشكالية الهوية والحداثة والتراث والقومية والإسلام السياسي لا قيمة لها من وجهة الفكر الصحيح. فهي مُنبئة عن عجز في طرح المشاكل وحسم الأمور في الواقع. وهذا مُعطى من التاريخ الحديث، أي من قرون من التأخر طال العالم الإسلامي كله منذ عام 1700 إلى حدود عام 1920 حيث برزت نهضةٌ في مجالات عديدة، إلاّ في مجال الثقافة العليا المبدعة.. فهذه الثقافة العُليا لم تعد إسلامية بالمعنى الدقيق، بل هي ماتت حوالى العام 1500 في رافديها الديني والدنيوي كليهما. ولم يكن هذا بفعل الغرب، ولكن بمفعول انحطاط الطموح الداخلي لهذه الثقافة الذي يجب البحث عن مصدره، ولم يحصل هذا بعد.
ولا يمكن أبداً للعرب والمسلمين أن يلجوا باب الحداثة والمشاركة في العالم المعاصر، إلاّ إذا كوّنوا لأنفسهم طموحاً عالياً في مجالات الفكر والمعرفة والعلم والفن والأدب، وقرّروا بصفة جدية الأخذ عن الغير، وما أبدعته الحداثة في كل هذه الميادين