هذا الكتاب هو تعريب لأطروحة الدكتوراة في التاريخ، قدمها المؤلف في جامعة برنستن، الولايات المتحدة، عام 1968 . وبعد إدخال تعديلات طفيفة على المخطوطة ثم نشرها باللغة الإنجليزية، عام 1972. وقد ارتأى المؤلف مؤخرا تعريبها لوضعها في متناول القارئ العربي وطلاب تاريخ فجر الإسلام.
وفي حينه بدا وكأن تبريرا لدراسة تقويمية لحركة " الردة "، والحروب التي ترتبت عليها لزوم ما لا يلزم، إذ على الرغم من الأعمال الكثيرة عن حياة الرسول محمد، ظلت جوانب متعددة من هذه الحركة غامضة وتستدعي التوضيح. والخلافات بالرأي حولها، لم تتوقف عند طبيعتها ومداها وعلاقتها بحركة الفتوح العربية فحسب، وإنما تعدت ذلك إلى صدقية المصادر الأولية التي تناولت هذا الموضوع. وعلى أرضية التضارب في الروايات المختلفة، عمد المؤرخون، في الماضي، كما في العصر الحديث، إلى ترجيح صوابية بعضها على بعض، وبالتالي تزكية بعض الرواة على الآخرين، فنبذوا أخبارا وكرسوا غيرها، وأخذوا بأقوال محدث دون سواه. وعلى العموم، فالدراسات الحديثة، وبالمنهج الذي اتبعته في التعامل مع المصادر الأولية، لم توضح الصورة لأحداث الردة، بقدر ما زادتها ضبابية.
وهذه الدراسة ليست سرداً لأحداث الردَّة، مع أن هذه الأحداث لا تغيب عنها طبعاً وإنما هي بالجوهر محاولة استقصاء لخلفياتها، وتدقيق لوقائعها. وهي لا تقوم على اكتشاف مصادر جديدة، وإنما تمحيص دقيق للمعلومات المتوفرة في المصادر التقليدية، وهي كثيرة، كما يتضح من ثبت المراجع. وطلاب تاريخ فجر الإسلام يعون الإشكاليات التي تنطوي عليها دراسة تلك الفترة في المصادر العربية التي وصلت إلينا، كما يعرفون المناهج والمدارس النقدية لها. وبالنسبة إلى هؤلاء، لن يصعب تبين المنهج البنائي الذي اعتمده المؤلف، حيث صب جهده على استخلاص أطروحة متماسكة حول القضايا التي عالجها، بالاستناد إلى الروايات المختلفة، بعد تمحيصها ومقارنتها بالروايات الأخرى. وبذلك، فقد قارب المؤلف تلك الروايات من منطلق أنها مجزوءَة، وليست مختلقة، كما يطرح بعض المؤرخين، كما أنها ليست كاملة ودقيقة، كما يراها آخرون