عندما ترتفع دعوات الإصلاح بشكل حاد في مجتمع ما فإن ذلك يعني إن النظام السائد في هذا المجتمع قد وصل إلى درجة كبيرة من العجز عن أداء وظائفه الأساسية ولم يعد قادرا على حل التناقضات الداخلية والتحديات الخارجية التي تواجهه. من مظاهر هذا العجز وكعلامة من علامات الأفول إن يفقد الخطاب المعبر عن النظام كل مصداقيته وقدرته على التأثير حتى بين الشرائح الاجتماعية التي ترتبط مصالحها بسيادة هذا الخطاب و استمرارية الأوضاع القائمة. لكن، عندما يصبح تفشي الفساد وشيوع الخلل في الأداء السمة المميزة على مستوى المجتمع بأسره، هنا يصبح وجود واستمرارية المجتمع ذاته في خطر. في مثل هذه الظروف تستجيب المجتمعات التي تمتلك رصيدا حضاريا وقدرة على مواجهة الأخطار ويتقدم من بين صفوفها مفكرون ومثقفون كبار، تظهر شخصيات تصف الداء وتشير إلى الدواء، وفى مثل هذه الظروف لا يفيد ضجيج البيروقراط وحذاقة التكنوقراط ولا انتهازية المثقفوقراط،. في مثل هذه الظروف يستحيل تحقيق أي حل للتناقضات ولا يمكن مواجهة التحديات بمجرد إجراء تعديلات شكلية هنا أو هناك، عندئذ لابد من تغييرات بنيوية جذرية ولابد من تغيير آليات أداء النظام الاجتماعي السياسي جذريا حفاظا على بقاء واستمرارية المجتمع ذاته. تنبثق المجتمعات الجديدة وتولد من قلب المجتمعات القديمة عبر عمليات الإصلاح والتغيير المستمرة وعبر حلها للتناقضات ونجاحها في مواجهة التحديات، لكن عندما تعجز عن تحقيق ذلك تتعرض منظومة القيم الأساسية التي تشكل دعائم وجود وتماسك المجتمع لخطر التفكك والانهيار الذي يؤدي في النهاية إلى فقدان المجتمع للعناصر الأساسية المكونة لهويته. تواجه المجتمعات العربية هذا الخطر حاليا، وأحد الأسباب وراء ترجمة هذا الكتاب هو محاولة فهم هذه الإشكالية من خلال تحليل مؤسسي علم اجتماع الأديان لموضوع الدين ومكانته في المجتمعات الحديثة