هي موسوعة علمية دينية فلسفية أخلاقية ، لمجموعة من الفلاسفة المسلمين عاشوا في القرنين الثاني والثالث الهجريين لم يتعرف احد عليهم ولا على اسماءهم وانتمائهم , اماالموسوعة نفسها فقد ظهرت في القرن الرابع كما يؤكد كثير من المؤرخين , وقد دون فيها اخوان الصفا وخلان الوفا كل ما توصلوا من ثقافات وتجارب واكتشافات في فروع العلوم وجمعوا بينها بحنكة ودراية مذهلة كما لو كانت كلها قد صدرت عن مصدر واحد واحكمت بضوابط وقواعد تحول بينها وبين محاولات الدس فيها وتحريفها ، تقول ثناء درويش : حين تقرأ رسائل إخوان الصفاء للمرة الأولى، كإنسان محايد ليس لديه أيُّ انطباع مسبَّق عن هذه المجموعة، سوى معرفته لزمن ظهورها في أواخر القرن الثاني الهجري وأوائل القرن الثالث الهجري ، حين تتأمل محتواها، مبسوطًا في 52 رسالة، بوصفه دعوة إلى تحقيق الغاية الإلهية من وجود ابن التراب على هذا التراب ، حين تستشفُّ ذلك التنظيم السرِّي الدقيق للجماعة، ولأول دائرة معارف علمية في العالم ، حين تفعل ذلك كلَّه، ستعيش الدهشة والذهول، ثم الإعجاب والإكبار، وتحني الهامَ لفكر إلهي استطاع أن يتحول إلى لغة سلسة بسيطة، يستطيع ابن هذا القرن أن يقرأها في متعة وسهولة – فلكأنَّ الرسائل قد وضعت لتُوائِم أزمنةً عديدة ، والتنوير كما يراه الكاتب هونفض الغبار الذي ران على العقل العربي الاسلامي خلال عصور الانحطاط ، وتجديده لمواجهة الفكر الغربي المنتصر منذ عصر النهضة ، ومن ثم كشف في كتابه أن معظم النظريات والآراء التي طرقها الليبراليون الاوروبيون سبق وطرقها إخوان الصفا في رسائلهم التي تقع في اثنتين وخمسين رسالة تنهض دليلا على رقي معارفهم وسموها واشتمالها على ﻓﻨﻮﻥ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻭﻏﺮﺍﺋﺐ ﺍﳊﻜﻢ، ﻭﻃﺮﺍﺋﻒ ﺍﻵﺩﺍﺏ، وﺣﻘﺎﺋﻖ المعاني ، ليست من أجل العلم في حد ذاته وحسب ، بقدر ما استهدفوه من غايات تربوية وتعليمية وأخلاقية تهدي نفوس العقلاء الى اسرار العلوم وخفياتها وحقائقها وبواطن الحكم ومعانيها ، فدراسة الهندسة تنتقل بالنفوس " من المحسوسات الى المعقولات " ، ودراسة الفلك وجهت لخدمة " معرفة تأثير الكواكب في هذا العالم "، أما الموسيقى فهي من أجل التشويق للنفوس الناطقة ( اي العقول ) الانسانية ، والغرض من معرفة الجغرافيا " هو الحث والنظر والتفكير فيما نصب الله لنا من الدلالات ، " وهي غاية تنويرية بالدرجة الأولى، ورسالة " الصنائع العلمية والمهن الحرفية " بما يفيد تكريس العلوم لخدمة أغراض حياتية عملية معيشية ، كما أفردوا فصولا إضافية في الأخلاق " بهدف تهذيب النفوس للوصول الى السعادة الباقية في الدنيا والآخرة ، وبديهي أن تحظى دراسة الطبيعة عندهم باهتمام فائق فعولوا على معرفة ماهيتها " وكيفية افعالها " وأفردوا فصولا لدراسة الحيوان والنبات والمعادن ، فضلا عن الاهتمام بالانسان باعتباره أرقى المخلوقات لتميزه بالعقل والتفكير ، لقد درسوا الانسان كجسد وروح ، وبينوا وظائف الجسد وقدراته ، واتسعوا في معرفة الحواس والمحسوسات ، وافردوا فصولا مطولة عن العقل وملكاته ، وكيفية الادراك وأثبتوا أن " الإنسان عالم صغير " لذلك وجب عليه ان يعرف ذاته كبداية لمعرفة الوجود ، وكما ذكرنا تقع الرسائل في اثنتين وخمسين رسالة قسموها ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺒﻌﺔ ﺃﻗﺴﺎﻡ : ﻓﻤﻨﻬﺎ ﺭﻳﺎﺿﻴﺔ ﺗﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﺟﺴﻤﺎﻧﻴﺔ ﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻧﻔﺴﺎﻧﻴﺔ ﻋﻘﻠﻴﺔ ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻧﺎﻣﻮﺳﻴﺔ إلهية ، فمثلا الرسالة الأولى منها في « العدد » وماهيته وكميته وكيفية خواصه ، والغرض المراد من هذه الرسالة هو رياضة أنفس المتعلمين للفلسفة ، المؤثرين للحكمة الناظرين في حقائق الأشياء ، الباحثين عن علل الموجودات بأسرها ، الرسالة الثانية في « الهندسة » وبيان ماهيتها وكمية أنواعها وكيفية موضوعاتها ، والغرض المقصود منها هو التهدي للنفوس من المحسوسات إلى المعقولات ، ومن الجسمانيات إلى الروحانيات ، والرسالة الثالثة رسالة في « الكواكب والنجوم » شبه المدخل في معرفة تركيب الأفلاك وصفة البروج وسير الكواكب ومعرفة تأثيراتها في هذا العالم ، والغرض منها هو تشويق النفوس الصافية للصعود اليها ، والرسالة الرابعة في « الموسيقى » وهو المدخل إلى علم صناعة التأليف والبيان بأن النغم والألحان الموزونة لها تأثيرات في نفوس المستمعين لها كتأثير الأدوية والأشربة والترياقات في الأجسام الحيوانية، وأن للأفلاك في حركتها ودورانها واحتكاك بعضها ببعض نغمات مطربة ملهية وألحانًا طيبة لذيذة معجبة منها كنغمات أوتار العيدان والطنابير وألحان المزامير، والغرض منها التشويق للنفوس الناطقة الإنسانية الملكية للصعود إلى هناك بعد مفارقتها الأجساد التي تُسمى الموت؛ لأنه إلى هناك يُعرج بأرواح النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، الرسالة الخامسة في « الجغرافيا » يعني صورة الأرض والأقاليم والبيان بأن الأرض كرية الشكل بجميع ما عليها، من الجبال والبحار والبراري والأنهار والمدن والقرى، وأنها حية تشبه بجملتها صورة حيوان تام عابد لله تعالى بجميع أعضائها وأجزائها وظاهرها وباطنها، وكيفية تخطيطها وتقديرها ومسالكها وممالكها، والغرض منها هو التنبيه على علة ورود النفس إلى هذا العالم وكيفية اتحادها وعلة ارتباطها بغيرها واستعمالها الحواس واستنباطها للقياس ، والتنبيه على خلاصها والحث على النظر والتفكر فيما نصب الله لنا من الدلالات وأرانا من الآيات التي في الآفاق والأنفس ؛ حتى يتبين للناظر أنه الحق فيتمسك به ويزدلف إليه ويتوكل في أحواله عليه ، فيستعد للرحلة والتزود إلى دار الآخرة قبل الممات وفناء العمر وتقارب الأجل وفوت الأمل ووجدان الحسرة والندامة ، من أجل ذلك عول إخان الصفا على إعداد جيل من الفتيان المستنيرين عن طريق المعرفة لإقامة " مجتمع فاضل " أطلقوا عليه " دولة أهل الخير