وفي الجزء الثاني من هذا الكتاب، يواصل ستيفان شفايج رحلة بحثه عن جذور العبقرية والإبداع التي شغلت أجيالاً عديدة بعطاءاتها. فمع ديكنز يغذ السير إلى ذلك الزمان الحافل بضرورى النجاح الأولي، حيث كان الآلاف يستقبلون بلهفة عارمة تلك الكواليس الروائية الشهرية الزرق التي يأتي بها ساعي البريد إليهم في العربة الناعسة التي تجود بها قريحة ديكنز الذي حط مجده في عصره وكان سلطانه جامحاً. لقد اجتمعت فيه هوية إنسان عبقرية مع تقاليد عصره بذلك اجتمع عنصران متضاربان أشد ما يكون التضارب.
ولم يكن تولستوي أقل شأناً منه فقد كان هناك في الأعالي بين جبابرة الأرض غنياً يسكن منزلاً مريحاً موروثاً منذ عهد بعيد، ينعم بالصحة والسعادة قبل أن يتبلى بالتحول المفاجئ في حياته فبات على قدر من الافتقار إلى البهجة فجأة.. فلقد أبصر اللاشيء وراء الأشياء، وتمزق شيء ما في روحه وانفتح صدع نحو الداخل، صدع ضيق أسود. لقد عانى من تلك النظرة الخاوية إلى الأخروي.. تلك النظرة التي تمتص الروح إلى النهاية أما ستندال فقد وثب فوق القرن التاسع عشر منطلقاً إلى القرن العشرين ليحط بجناحيه هناك. كان ستندال ولعاً بالخداع وإثارة الدهشة والنخفي ولم يكن هو ليخفي هذا الميل أو ينكره وقد أفصح مرارة عن نفسه بجرأة مذهلة متجاهلاً حواجز الأخلاق الاجتماعية. كما عرض بدقة اعترافاته المتصلة بعوائقه الجنسية وإخفاقه المتواصل مع النساء.
ومع هايزش فون كلايست يواصل الرحلة، فهذا الرجل لا يقر له قرار، وهو الشريد أبدأً الذي لم يكن له هدف، فهو يرمي نفسه بعيداً عن نفسه ذاتها يريد الإفلات والوثوب فوق شيء ما في نفسه بالقوة وهو يبدل المدن كما يبدل المحموم الوسائد. وهو يعرف أين ينتهي به المسير فهو يعرف ذلك منذ البداية-إلى الهاوية لقد ارتفع كلايست بمعاناته ارتفاعاً تجسيدياً، وظل أحد الشامخين الذين هم أسياد الحياة كأقرانه الآخرين. ويبقى الجهد الذي بذله المؤلف جهداً خلاقاً لا يقل روعن عن أعمال هؤلاء الذين عرضهم في كتابه