«براعةٌ في السرد مُعجِزة .. هل سمعتَ في السورة من أولها إلى أن بلغتَ هذه الآيات أن يوسف جميل .. أو على شيء من الوسامة؟ لم تَذكر السورة شيئًا. ولكن كيف قدَّمَت لك السورة هذه الحقيقة؟ قدَّمَتها صورةً مرئية متحركة أخَّاذة تحمل الدليل الذي لا يستطيع أيُّ كلامٍ أن يصفَه .. لقد قطَّعَت النسوةُ أيديَهن؛ فهن إذن في ذهول عن أنفسهن، وفي ذهول عما حولهن .. فالجَمال الذي أمامهن إذن جَمالٌ لا يحيط به وصف .. وهل هناك وصفٌ أروعُ من هذا أو أصدق؟»
يَتجاوز «ثروت أباظة» في هذا الكتاب الخطابَ الوعظيَّ للقَصص القرآني للبحث في التقنيات الفنية له؛ وهي تقنياتٌ تميَّزت بها القصة القصيرة الحديثة التي تُعَد فنًّا غربيَّ المنشأ، مثل: الهيكل الفني للقصة، وعامل التشويق، والاختصار، والتبسيط، والتداعي الحر للأفكار، والرمز، والاختيار المناسب للكلمات التي تؤدِّي المعنى على وجه الدقة. لكننا نكتشف أن القرآن اشتمل في قصصه على هذه التقنيات منذ ما يَزيد على أربعةَ عشرَ قرنًا؛ فنجد على سبيل المثال توافُر بِنية الهيكل الفني في قصة «يوسف»، من تمهيدٍ ونكرات مسرحية ومقدِّمات ونتائج، كما يتوافر عاملُ الجذب والتشويق والتداعي الحر للأفكار في قصة «إبراهيم»، فضلًا عن اشتمال قصة «موسى» على العديد من ألوان فن الرواية مثل: الرمز، والتعبير عن فترة زمنية معيَّنة، والتركيز على دور الفرد والجماعة. وإلى جانب هذه القصص الثلاث يقدِّم لنا «أباظة» العديدَ من القصص القرآنية الأخرى، موضِّحًا التيمات الفنية الأساسية التي تميَّزت بها.