هزت ثورة تونس مشاعر المسلمين من الأعماق، فهو حدث فريد في عصرنا الذي تعاني فيه الأمة من كابوس الطواغيت، الذين يحكمون معظم بلدانها, فجاءت هذه الثورة لتخلص البلاد من طاغية متمكن, تمرس علي الظلم, واحترف الفساد, وكان مثالاً صريحاً لأعداء الإسلام.
يصرح بذلك ولا يخفيه, ويتباهى بذلك ولا ينكره.. ثم مرت الأيام, ودالت عليه الدولة, وصدق الله عز وجل إذ يقول: "وتلك الأيام نداولها بين الناس" (آل عمران:140) وهرب الطاغية من البلد هروب الفئران, وشعر المسلمون في كل مكان بارتياح عجيب, وراحة بال نادرة, وصارت تونس ملء السمع والبصر, وانطلق المنظرون والمحللون والسياسيون والعلماء يتناولون الحدث من كل الزوايا, ويدرسون فيه كل النقاط؛ فقلما في عالمنا العربي نشاهد مثل هذه الثورات علي حكامنا الطواغيت, وإن كنا رأينا مثلها كثيراً ضد جيوش الاحتلال.
لذا كان لا بد لنا من وقفة نحلل فيها هذا الحدث الضخم, وكما اعتدت ان اذكر في كتبي ومحاضراتي فإننا لا يمكن ان نفقه الواقع دون العودة الي التاريخ, ولا يمكن ان نستوعب الحدث دون فقه للسنن الربانية في الكون, وهذا يعرف من كتاب الله عز وجل, ومن سنه رسوله "صلي الله عليه وسلم", كما يعرف- أيضاً- من دراسة التاريخ, ورؤية الاحداث المشابهة ونتائجها, والعودة إلي جذور القصة, وتحقيق الآية القرآنية الكريمة" فاقصص القصص لعلهم يتفكرون" (الأعراف: 176).
من هنا جاءت فكرة هذا الكتاب الذي يتناول قصة هذا البلد العظيم تونس من أولها, ومروراً بالمراحل المختلفة التي شهدتها عبر عصور التاريخ المختلفة, وانتهاء بثورة يناير 2011م, ثم وقفات نحلل فيها الثورة, وننظر معاً إلي مستقبل تونس الحبيبة, بناء علي فقه قانون السنن الربانية.. (less)