لقد أدى النقد الأدبي دوراً مهماً في الوقوف على (جماليات) النصوص، وفي تدريبنا على تذوق الجمالي وتقبل الجميل النصوصي، ولكن النقد الأدبي، مع هذا وعلى الرغم من هذا أو بسببه، أوقع نفسه في حالة من العمى الثقافي التام عن العيوب النسقية المختبئة من تحت عباءة الجمالي، وظلت العيوب النسقية تتنامى متوسلة بالجمالي، الشعري والبلاغي، حتى صارت نموذجاً سلوكياً يتحكم فينا ذهنياً وعملياً وحتى صارت نماذجنا الراقية-بلاغياً-هي مصادر الخلل النسقي.
وبما أن النقد الأدبي غير مؤهل لكشف هذا الخلل الثقافي فقد كانت دعوة عبد الله الغذامي بموت النقد الأدبي، وإحلال النقد الثقافي مكانه، وليس يقصد بذلك إلغاء المنجز النقدي الأدبي، وإنما يهدف بذلك إلى تحويل الأداة النقدية من أداة في قراءة الجمالي الخالص وتبريره (تسويقه) بغضّ النظر عن عيوبه النسقية، إلى أداة في نقد الخطاب وكشف أنساقه، وهذا يقتضي إجراء تحويل في المنظومة المصطلحية، شرحه المؤلف في الفصل الثاني من هذا الكتاب بعد أن استعرض في الفصل الأول الجهود النظرية التي تشكل خلفية علمية للنظرية تلك التي طرحها الباحث في هذا الكتاب، ثم تلا ذلك خمسة فصول هي بمثابة الدرس الإجرائي حول الأنساق العربية الثقافية التي تلبست بلبوس الجمالي وتسربت عبره وبواسطته مع شفاعة الدرس البلاغي والنقدي لها بالاستمرار والترسخ، حتى لما جاءت الحداثة جاءت لتكون مشروعاً في النسقية والشعرنة، كم وضح الباحث ذلك في الفصل السابع، حيث رأى أن أحد أهم المنظرين الحداثيين وهو حداثي المظهر رجعي الحقيقة