تنبثق النظريات والرؤى الاجتماعية من أحد موقعين: من موقع الفكر الموروث أو من موقع الفكر الجديد الذي ينقد الفكر الموروث ليتجاوزه. وطالما استمرت هيمنة الموروث بقي المجتمع على حاله، مسيّراً بمشيئة الأقدار والصدف والأحداث الخارجة عن إرادته. فقط عندما يتم تجاوز الموروث يصبح بإمكان المجتمع استرداد استقلاله والسير نحو الأهداف التي يحددها بنفسه. من هذا المنطلق تأتي دراسة هشام شرابي على هذه الصفحات لتشكل محاولة فكرية لوضع منهجية تحليلية تدفع بعملية التجاوز إلى الأمام عبر رؤية مختلفة إلى تاريخنا وواقعنا العربي وتمكن من استنباط أساليب جديدة لتعبئة الطاقات البشرية والمادية لتفكيك المجتمع الأبوي وتغييره. وكما يقول المؤلف فإن هذا الإطار المنهجي ذاته ينمو ويتطور من خلال الممارسات الفكرية (النقد الحضاري) والممارسات الاجتماعية (الصراع السياسي) إلى أن يستنفذ من إمكاناته الفاعلة، وعندئذ يستبدل بإطار نظري جديد. وهذا الحال هو حال الفكر الناقد المرتبط بالإرادة الفاعلة. وهي كما يضيف هشام شرابي، أداة لخدمة الإنسان والمجتمع لا أداة لخدمة حقائق غيبية أو قيم أزلية تقع خارج حياة المجتمع وخارج حياة أفراده