لقد نحا المؤلف د.طه عبد الرحمن في تقويم التراث الإسلامي العربي منحى يتصف إجمالاً بوصفين أساسيين:
أحدهما، أنه منحى غير مسبوق، لأن المؤلف يأخذ بالنظرة الشمولية والتكاملية إلى التراث وليس بالنظرة التجزيئية والتفاضلية؛ فبعد أن بيّن كيف أن الاختيار التجزيئي في تقويم التراث ينبني أساساً على النظر في مضامينه من دون الوسائل التي تمّ بها إنشاء هذه المضامين وتبليغها، اشتغل باستخراج الآليات الإنتاجية التي تحكمت في بناء التراث وزودت أجزاءه بأسباب التداخل والتكامل فيما بينها، مستخدماً في ذلك مفهومين متفردين هما: مجال التداول والتقريب التداولي.
والثاني، أنه منحى غير مألوف، لأن المؤلف توسل فيه بأدوات مأصولة وليس بأدوات منقولة؛ فبعد أن وضح كيف أن الاختيار التجزيئي في تقويم التراث يتوسل عند النظر في مضامينه بمناهج منقولة مع الغفلة عن صبغتها التجريدية وقلة المكنة من دقائقها التقنية، تولى بيان الأوصاف الآلية والعملية والاعتراضية للمنهجية الخاصة بالتراث، مستثمراً لها فيما أبطله من دعاوى التفاضل وفيما أثبته من دعاوى التكامل، حتى كأن كتابه هذا كله ممارسة حية لمنهاج التراث الصحيح، لا مجرد خطاب نظري في هذا المنهاج