لأن الصحراء تأبى المماطلة والاستنساء، فتشرع في حبك سرّها ما إن تطلع الشمس، فتلد من بطنها صحراءً أخرى، أجنّة أخرى... يطلع النبت في كلّ مكان، في السهول، في الوديان. في الشعاب... ثم ينتظر الرياح ليبدأ مراسم الفرح. تهبّ الأنسام فينوس ويتطاول ويتثنّى إلى كل الأجناب في رقصة البهجة كأنه يحاكي صبايا الصحراء عندما يركعن حول طبول الأفراح مسدلات الشعور، ثم يبدأ التمايل وتلويح الخصلات في الهواء، غائبات الأبصار، مسبلات الجفون، كأن الانتشاء، كأن الشهوة إلى الغناء، تدفعهم للارتواء من ينابيع لا وجود لها إلاّ في وطن اسمه الحنين. بمثل هذه الأعجوبة انبثقت الواحة أيضاً".
وبمثل هذه الأعجوبة انبثقت دنيا الكوني في الأيام الثلاثة... وكأن إبراهيم الكوني هو ذاك القادم من عمق الكون... والمتأصل في تلك الصحراء... وكأنها ملهمته الأولى والأخيرة... وكأن رياحها الصافرة تخترق روحه تدوي في نفسه... وتتلاشى أصداء وكأنها تردادات جنية... ساحرة قفزت من جوف الأساطير