«العلمُ بمنهجِه يرسمُ لنا الصورةَ الدقيقةَ لِما هنالِك، وما كانَ وما سوفَ يَكُون، ولنا بعدَ ذلكَ أنْ نتَّخذَ لأنفسِنا الموقفَ الذي نَرْضاه، فمَنْ يَدري؟ قد تكونُ نازِعًا برُوحِك إلى تصوُّفٍ بغضِّ النظرِ عمَّا كانَ وما هو كائنٌ أو سوفَ يكون.»
عندَ الحديثِ عَنِ التفكيرِ العِلميِّ يَنصرفُ الذِّهنُ في الغالبِ إلى ميدانِ العلومِ الطبيعيةِ ذاتِ المنهجِ التجريبي، على الرغمِ من وجودِ نوعٍ آخَرَ من العلومِ يُخالِفُ مَنهجَ العلومِ الطبيعيةِ مُخالَفةً جوهريَّة، وهو العِلمُ الرياضيُّ بمَفْهومِه الاستنباطيِّ الذي يتَّخِذُ من مَنهجِ الفُروضِ مَنْهجًا لَه حتى يَصِلَ إلى النتائِج. وقد كتَبَ الدكتورُ «زكي نجيب محمود» هذهِ السطورَ إيمانًا منه بأهميةِ تَرسيخِ الثقافةِ العِلْميةِ داخلَ المجتمَعاتِ العربيةِ مُتوجِّهًا بحديثِه إلى عُمومِ القُرَّاء، موضِّحًا جوانبَ التفكيرِ العلميِّ ومُحلِّلًا أُسسَه التي تُستخدَمُ في مختلِفِ مَراحلِه، من خلالِ شرحٍ لمعاني التجريدِ والتعميمِ والكمِّ والكيفِ، التي تُستخدَمُ في التفكيرِ العِلْمي، وهو مَعْنيٌّ هنا بالمجالِ العِلْميِّ وما يَدُورُ في مَدارِه، بعيدًا عن مَيادينِ نشاطِ الوِجْدانِ الإنسانيِّ كالأدبِ والفَن.