لقد كان جون ستيوارت ميل (1806 - 1873)، أحد أعظم فلاسفة السياسة في القرن التاسع عشر، يعتقد أن الجماعات الثقافية الصغيرة تتخلى عن ثقافتها الموروثة لكي تنضم إلى ثقافة الأمم الأقوى، أما فلاسفة السياسة الآن فهم أكثر إنصافا من "مل"، إذ تراهم يدافعون عن الأقليات في جميع أنحاء العالم و يطالبون بحقوقهم، كما يسعون إلى الاعتراف بالتعددية الثقافية و ما يتفرع عنها من "حقوق للأقليات"، وهي حقوق تؤثر بدورها في مفهوم العدالة و المساواة، ومن ثم في التطبيق الصحيح للديموقراطية.
وهذا الكتاب الذي نقدمه اليوم عن "التعددية الثقافية" يهم القارئ العربي على وجه الخصوص، لندرة ما يكتب عن هذا الموضوع باللغة العربية من ناحية، ولأنه يناقش من ناحية أخرى "حقوق الأقليات" على اختلاف أنواعها: أقليات لم نهتم بها، ربما ﻷننا لم نفرغ بعد من السعي وراء حقوق الأغلبية.
و من المفيد دراسة و توثيق أوضاع الأقليات بصورة متكاملة كوسيلة لتقدير حجمها الحقيقي، و البحث عن وسائل لحل مشاكلها، أو على الأقل لتقليص المعاناة التي يواجهها كثير من أفراد تلك الأقليات