نستهل هذه السلسلة بمسألة التفكير الفلسفي ذاته. وإذا كنا نفعل ذلك فليس إيمانا صوريا منا بأن الحديث عن الفلسفة لا بد وأن يستهل بتحديدها، وإنما اقتناعا منا، بروح هيجلية، بأن الفلسفة لا تتميز عن تاريخ الفلسفة، وبأن الخزانة الفلسفية والذاكرة الفلسفية مادة أساسية للتفلسف. وهذا ما يعطي في نظرنا أهمية للنص الفلسفي وما يبرز هذه المساهمة في مجملها. طبيعي أن ينعكس هذا الهم التاريخي عن تبويب هذا الدفتر الأول من «دفاتر فلسفية»، لذلك فقد قسمناه قسمين : قسما أول يقف عند أصول الفلسفة ومصادرها، وقسما ثانيا يحاول أن يستعرض فلسفة الفلاسفة. وإذا كنا قد أعطينا أهمية كبرى للقسم الأول، فليس مجاراة للولع الحديث بالوقوف عند الأصول والحفر في الأسس، وإنما محاولة لإبراز تاريخية العقل وخلخلة كل مفهوم مطلق عن العقل والعقلانية. أما القسم الثاني فلم يكن القصد منه البحث عن السمة والمشتركة التي ظلت تميز الفلسفة عبر تاريخها وانتقالها من فيلسوف لآخر. بل ربما كان هدفنا معاكسا لذلك، إذ أننا توخينا أساسا إثبات اختلاف الفلاسفة وتنوع مواقفهم وتباين تحديداتهم للفلسفة تأكيدا لحياة الفلسفة وتاريخها ومخاضها وحركتها