ﻫﻞ ﻟﻌﺒﺖ المعتقدات الدينية ﺣﺘﻰ اﻷﺳﻄﻮرﻳﺔ ﻣﻨﻬﺎ دورا ﻣﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﻴﺎﺑﺎن وﺗﺴﺮﻳﻊ ﻧﻬﻀﺘﻴﻬﺎ اﻷوﻟﻰ واﻟﺜﺎﻧﻴﺔ؟
ﻟﻦ أﺗﻮﺳﻊ ﻓﻲ اﻟﺮد ﻋﻠﻰ ﻫﺬا اﻟﺴـﺆال المشروع, ﻟـﻜـﻦ ﻣـﻦ درس اﻟـﺘـﺎرﻳـﺦ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻲ ﺟﻴﺪا ﻳﻌﺮف أن ﺟﻤﻴﻊ اﻷﺟﻴﺎل المتعاقبة ﻣﻦ اﻟﻴﺎﺑﺎنيين ما زالت تلقن ﻓﻲ اﻟﺒﻴﻮت والمدارس والجامعات والمصانع والمزارع واﻟﺜﻜﻨﺎت اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻧﻈﺮﻳﺔ اﻟﻜﻮﻛﻮﺗﺎي أو اﻷرض اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ المقدسة اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻄﺄﻫﺎ أﻗﺪام اﻟﻐﺰاة ﻣﻨﺬ ﻓﺠﺮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ, وﻻ ﻳﺠﻮز أن ﺗﻄﺄﻫﺎ ﺗﻠﻚ اﻷﻗﺪام; ﻷن ﻓﻴﻬﺎ اﻣﺘﻬﺎﻧﺎ ﻟﻜﺮاﻣﺔ ﻛﻞ ﻳﺎﺑﺎﻧﻲ حر ﻳﺮى ﻏﺎزﻳﺎ أﺟﻨﺒﻴﺎ ﻳﺤﺘﻞ أرﺿﻪ المقدسة ﻓﻴﻘﺎﺗـﻞ ﻋـﻦ أرﺿـﻪ ﺣﺘﻰ الموت ﻛﻮاﺟﺐ وﻃﻨﻲ ودﻳﻨﻲ ﻓﻲ آن واﺣﺪ. وﻟﻢ ﺗـﺴـﺘـﺴـﻠـﻢ اﻟـﻴـﺎﺑـﺎن ﻓـﻲ الحرب العالمية اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ إﻻ ﺑﻌﺪ أن ﺿﺮب اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﻮن ﺷﻌﺒﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﻨﺒﻠﺔ اﻟﻨﻮوﻳﺔ وﺑﻌﺪ أن دﻋﺎ اﻹﻣﺒﺮاﻃﻮر المقدس ﺑﺼﻮﺗﻪ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻲ ﻟﻼﺳﺘﺴﻼم ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺪﻣﺮ اﻟﻴﺎﺑﺎن وﻋﻠﻰ أﻣﻞ ﻧﻬﻮض ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻢ ﻳﺘﺄﺧﺮ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻋﻘﺪ واﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ.
بدأ محمد علي تجربة تحديث مبكرة جعلت مصر من أقوى دول شرقي البحر المتوسط في النصف الأول من
القرن التاسع عشر, وهددت السلطة العثمانية في عقر دارها. وفي حين أدى تكتل الدول الأوروبية ضدها إلى تراجعها داخل حدودها, فإن سياسة التبذير والقروض بفوائد فاحشة, وتسريح الجيش الوطني المصري, وإغلاق المصانع, حول التحديث إلى تغريب حقيقي في عهد خلفائه, فسقطت مصر تحت الإحتلال البريطاني. بالمقابل, بنت اليابان نهضة ناجحة في نهاية القرن التاسع عشر, حمتها من مخاطر الإحتلال الغربي, وحولتها إلى أقوى الدول الإمبريالية الآسيوية. وقد بدأ اليابانيون نهضتهم بتحديث جيشهم الوطني ومصانعهم ومؤسساتهم, واستخلصوا العبر من تجربة مصر فتلافوا كثرة القروض, ورفضوا المحاكم المختلطة التي تنتقص من السيادة الوطنية.
لطالما تساءل الباحثون: "لماذا نجح اليابانيون في نهضتهم وفشل العرب؟". وتأخر الجواب عقودا طويلة, إذ لم تُدرس التجربة اليابانية بعمق لاستخلاص الدروس منها. ويأتي هذا الكتاب في سياق محاولات بحثية للإجابة عن هذا التساؤل. فقد أبرز تشابه المقدمات بين تجربتي مصر واليابان, لكن نتائجهما متباينة تماما