هي قصة جريمة وقعت، وقام رجال البوليس بأبحاثهم، وقدمت القضية للمحكمة ولكن...
هل تنحصر قيمة هذه الرواية في أنها قصة جريمة وأنه كانت هناك أبحاث من رجال البوليس، وكانت هناك أسرار ومعميات؟ إنها قبل هذا وذاك قصة هذا الجيل الحائر القلق الذي يفيض بالحيوية ولا يدري كيف يستغلها في عصر خفتت فيه شعلة الإيمان وتضاءلت فيه سلطة الأخلاق.
وقد استطاع الكاتب الفذ جورج سيمنون في عمق وألمعية أن يعبر عن أزمة الثقة بين جيلين متفاوتين متباينين من الآباء والبنين، واستطاع أن يغوص في أغوار الحياة النفسية الغامضة المعقدة لهؤلاء الأيفاع الذين تجاوزوا الطفولة ببرائتهم بحكم مرور السنين، ولم تدركهم الرجولة بنضجها. ثم بسط أمامنا تلك الخفايا النفسية بسطاً يزيدنا فهماً لحقائق الحياة ومشكلات العصر التي لا يخلو منها وطن ولا يكاد يخلو منها بيت.
وهذا الفهم الرائع لتلك المشاكل لم توضع في أسلوب علمي، بل في قالب قصصي مشوق يأخذ بالألباب، حتى إذا وصلت إلى نهاية القصة وقفت على سر الجريمة، وأكثر من هذا وأعظم أنك تحس أنك وقفت على سر أعمق من سر الجريمة بكثير ذلك هو سر النفس البشرية اليافعة الذي وضحه الكاتب في روايته اليد المجهولة.