يقدم الشيخ راشد الغنوشي قائد حركة النهضة الإسلامية في تونس في كتابه هذا تصوراً للمشروع الإسلامي في مجال الحريات العامة، وهو في الأصل أطروحة دكتوراه، ولكن الظروف القاسية التي تعرّض لها الشيخ راشد وجماعة النهضة حالت دون تقديمها للمناقشة، وكان الشيخ الغنوشي قد أعدّ مادة الكتاب أثناء اعتقاله في الفترة 1981 – 1984، ثم اختفائه في صيف عام 1986.
واعتمد الأستاذ الغنوشي في محاولة صياغة النموذج الإسلامي في الحريات العامة منهج استيعاب الفكر والنموذج الغربي الليبرالي وإنجازاته في حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات، واستيعاب الفكر الإسلامي المستمد من الكتاب الكريم والسنة النبوية والتاريخ والتراث الإسلامي، والذي قدم نموذجاً فريداً مبتكراً "الخلافة الراشدة"، ثم حدث تراجع وجمود أوقف استيعاب الفكر الإسلامي ومسايرته للتطور البشري.
ثم يحاول أن يقدم التصور الإسلامي في القضايا المستجدة والأوضاع الحديثة التي لم يستوفها الفكر السياسي والإسلامي، وذلك بمحاكمة الفكر والمبادئ الغربية وتوظيف النصوص الإسلامية والتراث، واستخلاص مواقع الاختلاف والاتفاق، واقتراح مواقف ورؤى وتصوّرات كانت في بعض الأحيان جديدة أو مخالفة لتيار عام جرى تداول فكره وأدبياته والتعامل معها على أسس من القداسة الشرعية.
وناقش الأستاذ الغنوشي أدلة تقليدية جرى استخدامها لاستخلاص أحكام ومواقف ظلت موضع احترام وتقديس لدى غالبية الحركات الإسلامية والمسلمين بعامة، وذلك برد هذه الأدلة إلى السياق العام للشريعة الإسلامية ومقاصدها، ووضعها في إطار أدلة وشواهد ونصوص أخرى، معتبراً أن التجزيء ونزع الأدلة من سياقها العام يفسد مدلولها، ويجعلها مناقضة للإسلام ومبادئه العامة