إنّه لأمر لا يُصدَّق، أمرٌ غريبٌ ومثيرٌ للشّفقة أن يرى المرءُ كيف أنّ طبيعةً بشريةً بمثِلِ هذا الثراء وهذه القوّة وهذه الحصافة تخضع دون مقاومةٍ تُذكَر لتلك الطبيعة البشريّة الأُخرى الشّديدة السّطحيّة والبؤس والفقر والعوز! بيد أنّ الأمر كان كذلك، لا بل إنّ ما يزيد العجبَ هو أنّ الأمرَ ما كان يدهش أحداً؛ فذاك ما كانت تشهده المستعمرات يوميّاً في وضعيّاتٍ مختلفةٍ، مشابهةٍ للوضعيّة التي نَصِفُ: فإذ تربّى بيار مونييه منذ طفولته على احترام الرّجال البِيض بوصفهم جماعةً أرقى، تركَ نفسه تنسحق طيلة حياته تحتَ نير تلك الأرستقراطية المؤسَّسة على لون البشرة التي امتثل لها منذ قليل، دون أن يُبدي أدنى مقاومة. يحدث أن يصادف المرء أحد أولئك الأبطال الذين يرفعون رؤوسهم أمام قصف المدافع، ويثنون ركبَهم أمام الأحكام المسبقة؛ يحدث أيضاً، بحسبِ ما يُروى، أن يفتك الأسد بالإنسان، صورةِ اللّه على الأرض، ويفرّ مرتعباً إذا ما سمع صياح الدّيك