تقتضي كل معرفة موضوعية بالآخر نزع الصفة الشيطانية عنه وقراءته ضمن الشرطين الاجتماعي والتاريخي، كظاهرة قابلة للفهم بمعزل عن الرغبات الذاتية والأمنيات لكن الأمر لم يكن في يوم من الأيام على هذا القدر من التبسيط، خاصة مع آخرنا اليهودي حيث لا يجرؤ الغرب ( الولايات المتحدة وأوروبا الغربية ) على توجيه انتقادات للديانة اليهودية. ولكن شاحاك فعل ذلك في الدراسة المطروحة بين أيدينا. والتهمة الموجهة إلى هذا الكاتب جاهزة. فإذا كان الناقد من غير اليهود تكون "أعداء للسامية"، أما إذا كان الناقد يهوديا فتهمة الكاتب هي "اليهودي الذي يكره نفسه وكلا الحالين يؤدي بصاحبه إلى التهلكة بالمعنى الوظيفي والعملي والاجتماعي. ولقد ظهرت هذه النزعة بقوة واضحة بعد الحرب العالمية الثانية، وتكرست كظاهرة راسخة في التقاليد الماضية شكلا عصابيا حتى بات كل انتقاد للسياسة الإسرائيلية مهما كان هامشيا، عداء للسامية، وكل برهنة جديدة على خلود ذلك العداء الذي لا يزول ولا يدول.
على ضوء ذلك يمكن القول أن دراسة شاحاك التي يتناولها هي دراسة تتجلى بدراسة تستحق التقدير ويمكن إيجازها على النحو التالي:
1- الثقافة الموسوعية العميقة التي يتحلى بها الكاتب وقدرته على توظيف أفكار ومعلومات مصادر شتی خاصة المصادر اليهودية القديمة
2- النزعة الإنسانية التي تعتبر امتدادة مخلصة لأفكار ومبادئ التنوير الأوروبي المعادية أساسا للدين والسلطة
3 التحرر في التفسير الصوفي اللاتاريخي لليهودية والفصل بين تاريخ اليهودية كديانة، وتاريخ اليهود كجماعات بشرية متناثرة في أربعة أركان الأرض
