غرق حي "الصاز" في مستنقع البؤس، فوق غرفة في مستنقع الوحل. أقبل الشتاء والبطالة تزداد انتشاراً في المدينة. جاءت الأنباء من المدن السورية الأخرى أن الأزمة الاقتصادية قد لحقت بها على نحو متفاوت... كان الانتداب الفرنسي قد قرر، بالتواطؤ مع دول أخرى، أن يقتطع اللواء من جسم سورية ويعطيه لتركيا. وكانت سورية وهي محكومة بهذا الانتداب، تناضل بغير جدوى لإحباط المؤامرة، وهكذا غدا اللواء مسرحاً لصراع سياسي، وكتب علينا نحن سكانه، أن نشهد تلك الأيام العاصفة التي كنا نخرج فيها، من الصباح إلى المساء، بمظاهرات تنادي بعروبة اللواء وتندد بالمؤامرة الجارية".
في أجواء مليئة بالعذاب والقهر والحرمان، تتداعى أحداث المستنقع طفولة معذبة مشردة، وآمال مؤجلة، وآلام معجلة واستعمار وانتداب وأحكام جائرة في اجتزاء موطن الروح "اسكندرون" من القلب. سيرة طفل حنّا مينه موقعة ببدايات ثورة على النظام والظلام. لأنه لا بد للعين من أن تقاوم المخرز وتكسره في يوم من الأيام. وها هو الطفل يتذكر. أنه وبعد عشرين عاماً أو يزيد، حين سمع حكاية العين التي لا تقاوم مخزراً مرة أخرى، تذكر ذلك العام صاحب القصة، ونصيحة وجيه الحي له، وقال في نفسه: ها قد خرج الفرنسيون، وصارت الحركة النقابية ذات وزن، ولم يكن سدى أو وهماً ما كان يفعله العمال الأوائل، الذين ناضلوا في الثلاثينات من هذا القرن