على الرغم من الفرق الشاسع بين الفيلسوف الفرنسى جاك دريدا المنتمى تاريخيًا إلى حقبة ما بعد الحداثة فى الزمن المعاصر والشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربى المنتمى تاريخيًا إلى اللاهوت العربى المسلم فى زمن القرون الوسطى. وعلى الرغم من مئات السنين الفاصلة وتباعد الأماكن فقد اجتمعا على معارضة الفكر العقلانى الذى يتخذ من العقل مبدأ حاكمًا. ومن هذه الزاوية،
يبدأ أيان ألموند- مؤلف الكتاب- مقارنته الفريدة بين ابن عربى ودريدا في كتابه الذي جاء فى مقدمة وأربعة فصول وخاتمة.
فى الفصل الأول، يلحظ ألموند أن الشيخ ابن عربى والفيلسوف دريدا تسود عندهما روح تمردية تنفر من العقل الساعى إلى تشييد أنساق صارمة، ينتقد الشيخُ ابن عربى طرقَ أهل النظر فى التفسير والإنشاء اللاهوتى، ويعيد الفيلسوف دريدا فحص التراث الفلسفى ونسق المفاهيم الرئيسة فى مسيرة الفكر اليونانى الأوربى المتمركز حول العقل؛ الأمر الذى يجعلنا أمام رفض العقلانية رفضًا شاملاً.
ومن ثم يصوغ ألموند- مؤلف الكتاب- ما أسماه مشروع التحرر عند ابن عربى ودريدا، ويقصد به محاولتهما تحرير الحق والكتابة من أغلال العقل.
وفى الفصل الثانى، يتناول ألموند النتائج المترتبة على تحرر ابن عربى ودريدا من حدود العقلانية وتصنيفاتها الضيقة، إذ تحدث حالة من الحيرة أو البلبلة. غير أن الشيخ والفيلسوف لا ينظران إلى الحيرة نظرةَ التراث العربى والفلسفى الغربى الذى يُرادف الحيرة بالخطأ والسقوط والباطل. إذ حين يستشهد الشيخ بحديث "اللهم زدنى فيك تحيرًا" فما يطلبه هو: اللهم أَصِبْ بالحيرة والذهول الحدودَ البسيطة التى حاولتُ حَبْسَك فيها. فيبدأ المؤمن فى فهم أن الألوهية الحقة لا يحدُّها حدٌّ ولا يقيدها قيد. وما كثرة العقائد واختلافها إلا برهان على امتناع الله على التصور امتناعًا مطلقًا.
ونجد عند دريدا نسخة علمانية من الاستراتيجية نفسها؛ فإنْ كان الفيلسوف يرى العلاقة الأصيلة بالآخر علاقة اضطراب- تُفَسِّرُ الحيرة التى من خلالها نتمكن من لمح آخرية الآخر- فمن الممكن وصف نهج الشيخ بأنه تشظية مستمرة لأبنيتنا التى نشيدها حول الله، وبأنه ثورة على المعتقدات التقليدية.
لذا، يخصص ألموند الفصل الثالث لمناقشة مؤديات الحيرة عند دريدا وابن عربى، ويناقش ألموند في الفصل الرابع معنى السر وذوق الغيب والأعماق عند ابن عربى ودريدا