لا زال ما نعرفه اليوم عن الإنسان محدوداً بالمقارنة عن عناصر البيئة الأخرى والعالم المادي والطبيعي. وحتى هذا القليل المحدود من المعرفة العلمية بالإنسان غير معروف إلا للقلة القليلة المتخصصة.
ولهذا لا تعجب إن كنت تجد الكثير من العامة أو المثقفين يعرفون جيداً كيف يقودون سيارة، أو يقيمون بناء، أو يديرون أجهزة كالتلفزة أو الراديو أو حتى يصلحونها إن كانت معطوبة، يعرفون ذلك بصورة أفضل وأكثر مما يعرف الواحد منهم عن نفسه: كيف يفكر، أو يشعر، أو يحل مشكلة، أو يبدع شيئا جديدا، أو كيف يتفاعل مع بيئته، ومع الآخرين، أو ما الذي يحكم سلوكه في مواقف الصحة والمرض والعمل والحب؟
ومؤلف هذا الكتاب يؤمن إيماناً عميقاً –قد لا يشاركه فيه الكثير من المتخصصين- أن علم النفس هو أساسا علم لفهم الحياة الإنسانية بجوانبها المختلفة. ويؤمن أيضاً بإمكانيات هذا العلم اللامحدودة من حيث إثراء معرفتنا المباشرة بالشروط التي تحكم السلوك الإنساني وبالتالي بإمكانية توجيه معرفتنا هذه لما فيه نفع للفرد أو للجماعات الإنسانية المختلفة.
ويؤمن الكاتب أيضا أن دراسة علم النفس لا يجب أن تكون "كهنوتا" عملياً تقتصر على فئة من المتخصصين الذين يتخذون من قواعد المنهج العلمي غطاء صارم يحرم علم النفس من ممارسة دوره الحيوي الذي نشأ من أجله، وهو فهم الإنسان وتطويع هذا الفهم باستخدام لغة يسهل على الآخرين استيعابها واستثمارها