هذا الكتابُ هو نتاجُ بحثٍ دامَ خمساً وعشرين سنة، وهي المدّةُ التي استَغرَقَها مؤلِّفُه في جَلْبِ مادّته؛ حيث إنه استخرجه من نحو سبع مئة مصدر ـ ما بين مطبوع ومخطوط ـ من دور الكتب العربية والعالمية، ومن خلال رحلاته الكثيرة إلى أوربا، وقد كانت مصادره باللغات الثلاث؛ العربية، والتركية، والفرنسية.
ويَعني المؤلِّفُ بالخِطَطِ: كلّ ما يتناولُ البحثَ في عُمرانِ بلدٍ وتاريخِه وحضارته.
وأرادَ بالشّام: البلاد التي تتناول ما اصطلح العرب على تسميته بهذا الاسم، وهو القُطْرُ الممتدّ من عَرِيش مِصرَ إلى الفُرَات، ومِنْ سُفُوح طُورُوس إلى أقصى البادية؛ أي: سورية وفلسطين في عُرْفِ المتأخِّرِين.
ولَمَّا أنْ تَمّ جمعُه بِأَخَرَةٍ، قَدّمَ المؤلّف لكتابه بمقدمةٍ في بيان ما تشترك فيه بلاد الشام عامّةً من المظاهر والأوضاع، ثم تكلَّم على كل مدينة وبُلَيدة وقرية ومزرعة وجبل وواد ونهر وبحيرة وخليج وجَوْن.
ورَتّبَ ذلك على حروف المعجم؛ ليَسْهُلَ الرّجُوعُ إليه، ويكونَ دليلاً للقريب والبعيد.
وقد حَوَى هذا الكتابُ زُبدةَ الوَقَائع والكَوَائِن، وأخبارَ الصّعُود والتَدَلِّي، والمظاهر الغَرِيبة التي ظهرتْ بها هذه الديار في غابر الأعصار.
والمؤلف هو: محمدُ بنُ عبدِ الرّزّاق بنِ محمد كُرْد علي (1293-1372ﻫ)، رئيسُ المُجَمّع العِلْمي العربي بدمشق ومؤسِّسُه، وصاحبُ مجلة (المقتبَس) والمؤلّفات الكثيرة، وأحدُ كِبارِ الكُتّاب. أصلُه من أكراد السّلَيمانية من أعمال المَوصل، ومولدُه ووفاتُه في دمشقَ، أحسَنَ التّركية والفرنسية، وتذوق الفارسية، وحفِظَ أكثر شعرِ المتنبي ومقامات الحريري، هاجر إلى مصرَ، فأنشأ مجلة (المقتبس)، وانقطع إلى المجمع العلمي العربي، بعد إنشائه بدمشق (سنة 1919م)، فكان عملُه فيه بعد ذلك أبرزَ ما قام به في حياته، وولي وِزارة المعارف مَرّتين في عهد الاحتلال الفرنسي