الموت فن ككل شيء آخر/ وهو فن/ أتقنه بشكل استثنائي"، تكتب سيلفيا بلاث في "السيدة اليغازر"، القصيدة التي تكاد تختزل علاقة بلاث بالموت الذي يشكل عصباً أساسياً في عمل بلاث الشعري منذ بدايته وحتى موتها المبكر. واحدة من أكثر شاعرات القرن العشرين شهرة، أثارت بعد رحيلها، وجزئياً بسبب طريقة رحيلها، اهتماماً شعبياً، ونقدياً حتى، أكبر من الذي أثارته في حياتها، خصوصاً قصتها مع زوجها الشاعر البريطاني تيد هيوز، الذي أصبحت علاقتها المتوترة به، والتي انتهت بطلاقهما رسمياً قبل أشهر من انتحار بلاث، شبه عنوان دائم للكلام عن بلاث الشاعرة والكاتبة، مما طمس لفترة طويلة منجزها الشعري، وجعل أقلام كتاب السيرة والمقالات والباحثين عن الفضائح ونابشي الأسرار أكثر انشغالاً بكثير من أقلام نقاد الشعر والأدب.
حكاية بلاث مع هيوز معروفة جيداً، علاقة الحب الكراهية التي نشأت بينهما. دور هيوز في تفاقم مشكلات بلاث وصراعاتها الداخلية وصولاً إلى إقدامها على الانتحار، دور الأخير مثلما اتهم طويلاً في السيطرة -بوصفه الوريث الوحيد للشاعرة بسبب عدم وجود وصية مكتوبة- على ما لم تكن نشرته بعد من شعرها، وهو كثير، وإتلاف جزء منه ومن يومياتها، وحظره نشر أي شيء من نتاجها دون إذن مسبق، وتحفظه طويلاً على نشر ما تبقى من يومياتها التي يصف جزء كبير منها علاقتها به... كل هذا بات جزءاً من الحكاية المعروفة، وبالنسبة إلى كثر هذا الجزء هو التفصيل الوحيد المهم في اسم سيلفيا بلاث جنباً إلى جنب الانتحار أو بالتزامن معه. كثر يحبون أن ينظروا إلى انتحار الشاعرة، والتعقيداات الكثيرة التي أدت إليه، بوصفه جزءاً من فنها الشعري، مدخلاً شبه وحيد لقراءته، إنها "شهيدة" و"قديسة" معاصرة، تشكل كتاباتها نوعاً من "الرسالة" و"البيان" المتأخر. وكأن كل ما حفلت به قصائد بلاث من عذابات وآلام وهواجس، وأيضاً من لحظات حب وفرح وأمل، لم يكن ليتخذ أي قيمة لو لم تمهره الشاعرة بختم الانتحار كفصل أخير مثالي في حكاية تراجيدية. والمفارقة أن كثراً من "مريدي" بلاث، خصوصاً من الحركات النسوية، يرون في علاقة بلاث بهيوز نموذجاً للظلم الذكوري التاريخي المفروض على المرأة (هيوز بصوفه ممثلاً للذكور، وبلاث للنساء)، ويرون وفقاً لهذا المنظار في انتحار الشاعرة نوعاً من الانعتاق من هذا الظلم، وهذا يجعلها الضحية/البطلة في آن... المفارقة أن هذا الاختزال يكاد يصب في خانة تهميش بلاث نفسها كشاعرة مهمة، تمتلك مقدرتها الخاصة، وعالمها الخاص، ولغتها الخاصة، لأن تكون، بالمعنيين السلبي والإيجابي، نتاجاً للمركز الذي هو هيوز. بالطبع لا يعني هذا الكلام أن تجربة بلاث الحياتية غير ذات أهمية ودلالة في تجربتها الشعرية، بل العكس تماماً، فهي مهمة جداً، لكن هذه التجربة الحياتية لا تختزل بعلاقتها بزوجها فحسب، وإلا تحولت إلى سطر واحد مسطح، يغيب فيه مثلاً أثر الأب وموته، ذاكرة الطفولة، الصراع الدائم ضد الموت وضد النزعة الانتحارية، العلاقة بفن الشعر الغنائي، وأيضاً يهمل بلاث بوصفها جزءاً من جيل كامل، ذلك الجيل الذي رأى ويلات الحرب العالمية الثانية، تأثر بمأساة الهولوكوست والقنابل النووية، نشأ في عالم يكاد يكون الموت فيه، بما في ذلك الموت الجماعي، نذيراً دائماً وأفقاً حتمي