للوزير المغربي أبي القاسم الحسين بن عليّ دور كبير في العلم والأدب والسياسة: في العلم بما خلّفه من مؤلفات مثل أدب الخواص والإيناس وغيرهما من مؤلفات لم تصلنا. وفي الأدب بديوان شعر رآه ابن النديم بخطه كما رآه ابن خلكان، وديوان رسائل، وفي السياسة بمحاولته الثورة على الدولة الفاطمية لأن الحاكم الفاطمي قتل أباه وعمه وأخويه، وفي التنقل من وزارة إلى أخرى في المناطق العراقية، حتى ليوصف بأنه أحد دهاة العالم.
والباحث يعجب بهذا العالِم الذي بلغ حدّاً متميزاً في الدقة العلمية وسعة الاطلاع، كما يعجب بالشاعر الرقيق والثائر اللبق، ولكنه قد يتردد في الإعجاب بذلك الرجل المغامر الذي خاض دنيا السياسة والمكايد والحروب بذكاء فذّ. وقد يشعر أن ذلك كله كان ذا جور على دوره العلم والأدبي. ومع ذلك فإن الباحث سيلحظ بأن الوزير كان مدفوعاً إلى ذلك بقوة الظروف التي عاش في ظلها.
وقد كان لأبي العلاء المعري صلة بالوزير المغربي ترجع إلى ذلك التقدير الذي كان المعري يحمله له. وقد وحدت بينهما المعرة وحلب في النشأة، وأيّاً كان الأمر، فإنه من المستغرب رثاء المعري للوزير في لزومياته، وما ذلك إلاّ للتقدير العظيم الذي كان المعري يكنّه له. وذلك ما غفلت عنه الدراسات في هذا الموضوع. ويقول الدكتور إحسان عباس بأن ذلك، بالإضافة إلى ما صدر من دراسات حول شخصية الوزير وبالإضافة إلى كتبهن كل ذلك دفعه إلى كتابة دراسة عن هذا الوزير المغربي، وذلك بغاية تقديم وقول شيء عن هذه الشخصية لم يقلها من سبقوه إلى دراسته.
وبالإضافة إلى ما تقدم فإن الدكتور إحسان عباس، وحين دراسته للوزير المغربي وجد أنه يدرس علماً من أعلام النثر، ذا علاقة معنوية ومادية بعبد الحميد الكاتب، فالعلاقة المعنوية هي إعجابه بشيخ الكتاب ورئيسهم، حتى سمّى ابنه عبد الحميد وكناه أبا يحيى، والعلاقة المادية هي أنه حلقة في السلسلة النضرة في تاريخ النثر الفني، تلك السلسلة التي بدأت أول حلقاتها بعبد الحميد الكاتب، والذي كرّس له الدكتور عباس كتاباً وهو "عبد الحميد يحيى الكاتب وما تبقى من رسائله ورسائل سالم أبي العلاء". فهذا الوزير المغربي "صانع "لملوك والدول" يقدمه الدكتور إحسان عباس من خلال كتابه هذا. دون تَزَيّد، فقد كان همه الأكبر رسم سيرة هذه الشخصية حسب مراحلها الزمنية، مع تقديم لمحة عن نشاطاته في حقول المعرفة