انفجرت شفتاها من ابتسامة، ولمعت عيناها بالبريق، فهذه اللحظة هي هدفها، كانت تريد من البداية، وتسير نحوها بثبات وإصرار، تدرك أنها لا تسير إلا إلى الخطر، حافة الخطر تلك المساحة الصغيرة التي لا تتسع إلاّ لقبرة واحدة، معلقة في الفضاء، من فوقها السماء ومن تحتها الهاوية السحيقة، ويصبح الإنسان مشدوداًُ بين قوتين رهينتين، قوة تشده للسقوط في القاع، وقوة تشده للانطلاق في السماء.
عن يقين كانت تعرف أنها لن تسقط في القاع، لن تستسلم. لن تكون بهية شاهين، ولن تعود إلى الوجوه العادية، ولن تغرق في بحر الأجساد المتشابهة أو تسقط في قبر الأيام العادية. رفعت عينيها السوداوين إلى أعلى، وشدت عضلات ظهرها وساقيها، وتقدمت نحوهم بخطوتها الواسعة، تدب كل قدم على حدة فوق الأرض، وتفصل بين ساقيها بثقة وجديّة. حين أصبحت أمامهم وجهاً لوجه قالت بصوتها الهادئ الواثق: هيا بنا. تقدم نحوها أحدهم، ووضع الحديد حول معصميها وقفله بمفتاح وضعه في جيبه. سارت أمامهم بخطوات سريعة، عيناها تسبقان قدميها تبحثان بين الوجوه وانتشال جسدها من بين ملايين الأجساد السابحة في الكون. وحين رأته أمامها صاحت بصوت فرح كالأطفال: سليم!. ومدت ذراعيها لتلتفا حوله، لكن ذراعيها لم تمتدا، وارتعشت يداها من تحت الحلقة الحديدية المغلقة".
بأسلوبها الجريء، تقتحم نوال السعداوي عالم المرأة، بخيالاته ومعاناته وبسلبياته وإيجابياته. تستخرج منه لمحاً هي صور من حياة امرأة تدسها في صيغة روائية، تخلق مشاهد تحرك أشخاصها ضمن سرديات تطال خلفياتها المجتمع بعاداته وتقاليده. نظرة نقدية اجتماعية تحوّلها نوال سعداوي حكايتها امرأتان في امرأة