وتساقطت نظراتي الغائرة العمياء على شيء .. وجه.. وجه طفل؟ وجه فتاة؟ وجه رجل؟ لا أدري.. لم تستطيع عيناي الكليلتان أن تتبينا صاحب الوجه.. لكن رأيت وجهه. ورأيت على الوجه ابتسامة.. وشدتني الابتسامة إلى الدنيا فجأة كما تشد سنّارة الغوّاص اللؤلؤة من قاع البحر إلى سطح الأرض. كأنما كنت في قاعٍ عميق مظلم بعيد ثم جذبوني بحبل إلى النور والهواء.. وكأنما نسيت شفتاي الابتسام! فنظرت مشدوهة إلى الوجه لا أدري كيف أرد على هذه الابتسامة عجيباً.. التي بدت لي لغة جديدة لم أتعلمها.. وهززت رأسي بلا إرادة وبلا معنى لأرد على ابتسامته. وعيناي ثابتتان على وجهه متعلقتان بشفتيه كفريق يتشبث بحبل النجاة. وأحسست ثقل قدميّ قد خفّ بعض الشيء، وإن جسدي الحديدي قد لان بعض الليونة.. وفتحت فمي بلا وعي ووجدتني أنطق بلا إرادة: أشكرك". لتكن الحقيقة ما تكون، ولكنها تنطوي في أعماقها على شيء ساحر، أشدّ سحراً منها نفسها مهما كانت، شيءٌ لا ستكشف إلاّ في لحظة الصدق التي نواجهها بها. من وهي أو من وهم تلك اللحظة، أو ربما من واقعيتها، تنبثق: خيالات نوال السعداوي منطلقة في دهاليز الحياة، والأحرى في دهاليز النفس، لاستشفاف إرهاصات، وتداعيات تلك اللحظة التي يسمونها "لحظة صدق