ما الذي نأخده اليوم عن نيتشه؟ إننا نأخذ عليه، قبل كل شيء، نزعته إلى اللامعقول، وإلى الفردية المفرطة، والأمران مرتبطان: ذلك لأن العقل هو أساس اتفاق الناس وتوحيد اتجاهاتهم، وما إن تستقر عقولنا على فكرة معينة، حتى تقف كلها من الفكرة موقفاً واحداً، أما المشاعر والإنفعالات، فهى بطبيعتها فردية، تتباين من شخص إلى آخر، وعلى ذلك فهى أساس للتفرق والتميز، وهكذا نجد الفلسفات العقلية تصطبغ على الدوام بصبغة عمومية، بينما تصطبغ الفلسفات اللاعقلية، أعني المبنية على المشاعر فى مقابل العقل بصبغة فردية وبالمثل، فمن المحال أن تجد فيلسوفاً ينادى بالفردية المطلقة، ويكون ذا اتجاه عقلي، بينما تغلب النزعة العقلية على من يضعون للإنسانية مثلاً عامة مشتركة. فوقع كلمات نيتشه يبدو اليوم غريباً على آذاننا لأن نغمته الأساسية هى التى تدعو إلى اللامعقول، وإلى الفرد المطلق. ومع ذلك، فقد حاولت من قبل أن أستخلص من فيلسوف اللامعقولية هذا نوعاً من المذهب المترابط، المتماسك الأطراف، وأن أكشف الخيط الرفيع الجامع بين شعاب فلسفته المتفرقة. وعلى هذا النحو تبينت أنني لم أكن متناقضاً مع نفسي: فقد التزمت جانب المعقول على الدوام، حتى في بحثي لأعنف الفلاسفة نقداً للعقل