«كانت الحاجة بمبة جالسةً في بهو بيتها تنتظر الحاج والي أن يعود، فهي تريده في أمر قد يُدهَش له، ولكنها تراه عدلًا، ولا بد أن تقوم به.»
رويدًا رويدًا تكاثَفَت السُّحبُ فوق عقل الشيخ «والي»؛ فكلُّ ما سعى إليه بدَّده الضباب، فلم يَعُد يملك من أمره شيئًا. بذورُ الثورة في كل مكان من حوله؛ فمصرُ خرجت عن صمتها ونادت بعودةِ زعيمها المنفي «سعد زغلول»، وزوجتُه التي عاشت معه راضيةً هانئة لم تَرتضِ أن تحرمه رؤيةَ نسله؛ فبادَرَت إلى تزويجه بغيرها لعلها تُنجب له ذريةً صالحة. أمَّا الذرية فتلك كانت بدايةَ الضباب وذروته؛ ﻓ «محمد» ابن الشيخ الوحيد، المطيع والمستسلم، عاش حياته كما يشاء أبوه فزوَّجه مثلما ارتضى، أمَّا «حسين» ابن زوجته فقد نشأ وفي عُنقه معروف للشيخ لا يمكن نُكرانه؛ إذ عاش في ظله وتحت كَنفه. إلى أن جاء ذلك اليوم الذي خرج فيه كلا الولدَين عن صمته وعن وصاية الأب؛ فتمرَّدا عليه وبحثا عن حياتهما كما يروق لهما، فسارا تحت سماء مُلبَّدة بضبابٍ صَعُب الاهتداءُ فيه إلى طريق الصواب.